في زمن تتصدر فيه الشهرة الواجهة قبل الموهبة في كثير من الأحيان، تأتي الفنانة السعودية لولوة نجد لتثبت أن القاعدة يمكن كسرها، وأن الإبداع قادر على الوصول حتى دون أضواء مبالغ فيها أو حملات ترويجية ضخمة. فخلال الفترة الماضية، استطاعت لولوة أن تحجز لنفسها مساحة في قلوب المتابعين بالأداء الصادق والحضور الطبيعي، الأمر الذي جعل اسمها يتردد رغم أنها لا تبحث عن الضجيج ولا تعتمد على الإثارة وسيلة للظهور.
لولوة نجمت ليس لأن لديها كميات هائلة من المتابعين، بل لأنها قدمت نفسها بصورة فنانة تعرف قيمة العمل وتقدّر احترام الجمهور. فظهورها في أعمال درامية مختلفة، ولو بأدوار محدودة المساحة، كان كافيًا لإظهار قدرتها على تجسيد الشخصية بواقعية وهدوء وتفاصيل دقيقة تنقل المشاعر دون مبالغة. وهذا ما جعل الجمهور يلتفت إليها بفضول واحترام، لا من خلال صخب الترند، بل من خلال تأثير المشهد.
ما يميّز لولوة نجد أنها لا تتعامل مع الفن كمنصة للشهرة، بل كمساحة للتعبير والإبداع.
فقد صرّحت في إحدى اللقاءات القصيرة بأنها تؤمن بأن الدور الصغير يمكن أن يكون الأكبر تأثيرًا إذا قُدم بإتقان، وأن الفنان الحقيقي لا يقاس بحجم الظهور بل بحجم الأثر. وهذا الفكر الهادئ، الخالي من اللهاث، جعل الجمهور يرى فيها نموذجًا نادرًا في الساحة الفنية الشابة.
لفتت الأنظار بطريقة تلقائية لأنها تعتمد على التطور المستمر، فهي تحرص على التدريب، القراءة، التحضير للشخصية، وتجربة أساليب مختلفة في الأداء. هذه الجدية في التعامل مع الفن جعلتها تكسب احترام صناع المحتوى والمخرجين الذين بدأوا ينظرون إليها كموهبة يمكن البناء عليها وتطويرها.
على المستوى الجماهيري، تبدو لولوة الأقرب إلى شريحة الشباب لأنها لا تضع حاجزًا بينها وبين جمهورها، ولا تندفع في بناء صورة إعلامية لامعة ومصطنعة، بل تظهر بطبيعتها وتترك للمشاهد أن يحكم من تلقاء نفسه. هذه البساطة خلقت لها قاعدة صغيرة لكنها وفية، جمهور يؤمن بأن الفن ليس سباقًا على الأرقام، بل على ما يعلق في الذاكرة.
كما أن المرحلة الفنية التي تعيشها المملكة اليوم خلقت مساحة واسعة للمواهب الصاعدة التي تعتمد على العمل لا على الحظ، وهو ما جعل لولوة تجد طريقًا رغم المنافسة الشديدة. فالمهرجانات، وورش العمل، والمنصات الرقمية، والمشاريع الدرامية الضخمة فتحت أبوابًا جديدة للمبدعين الذين يمتلكون شغفًا حقيقيًا، دون الحاجة إلى خلفية شهرة مسبقة.
لولوة نجد اليوم تقدم درسًا مهمًا:
أن الشهرة ليست الهدف، بل نتيجة طبيعية يكتبها الجمهور عندما يشعر أن العمل صادق ويستحق البقاء. وأن التألق يمكن أن يبدأ من زاوية بسيطة، ومن مشهد قصير، ومن كلمة واحدة تقال بإحساس عميق.
ومع ازدياد اهتمام الجمهور بأدائها، يبقى السؤال:
هل ستظل لولوة متمسكة بمدرسة الهدوء والبناء التدريجي؟
أم أن النجاح القادم سيضعها على مسار جديد أكبر أثرًا؟
ما يمكن الجزم به أن لولوة نجد أثبتت أن الطريق الحقيقي للفن يبدأ من الإيمان بالموهبة قبل الإيمان بالشهرة، وأن هذا الجيل قادر على إعادة تعريف معنى النجومية دون ضوضاء… فقط بالصدق والإتقان.