العلاقات لا تنهار دائمًا بضجيج، ولا تنتهي دائمًا بصراخ أو خلافات حادة.
أحيانًا تنهار العلاقات ببطء، وبصمت، وبشكل لا نلاحظه إلا عندما يصبح الأوان قد فات.
والسبب في كثير من الأحيان ليس خيانة ولا كذبًا ولا نقصًا بالحب…
بل سوء الظن.
سوء الظن هو الفخ الذي قد تتعلق به العلاقات، فيبدأ بخيط رفيع لا يكاد يُرى: كلمة لم تُفسّر، تصرف لم يُفهم، صمت لم يُعرف سببه.
ثم يبدأ العقل في حياكة سيناريوهات لا تنتهي.
في اللحظة التي نستبدل فيها السؤال بالتخمين، والحديث بالافتراض، والعتاب بالنقد الصامت، تبدأ المسافة بين الطرفين في الاتساع، بصمت، وببطء، وبشكل مخيف.
العقل لا يحب الفراغ… فيملؤه بما يخاف
عندما لا نسأل، العقل لا يبقى محايدًا،
بل يبدأ في البحث عن تفسير،
وغالبًا ما يكون التفسير متأثرًا بخوفنا، تجاربنا الماضية، أو جروح لم تلتئم.
-
لم يرد على رسالتي… إذًا يتجاهلني.
-
لم يقل كلامًا لطيفًا… إذًا لم يعد يهتم.
-
تغير صوته… إذًا غاضب مني.
خطوة بعد خطوة يتحول الظن إلى اعتقاد، والاعتقاد إلى موقف، والموقف إلى خلاف لا أصل له.
لماذا نسقط في هذا الفخ؟
لأن السؤال قد يبدو لنا ضعفًا،
والاعتراف بالمشاعر قد يبدو مكشوفًا،
ونفضل التخمين على المواجهة،
ونسكت لأننا نخشى أن يظهر أن المشكلة كانت في داخلنا لا في الآخر.
ولأننا تعلمنا أن “الكبرياء” قوة، مع أنه في العلاقات أكبر قوة هي الوضوح.
السكوت ليس دائمًا حكمة
السكوت يريح لحظة، لكنه يؤلم يومًا كاملًا.
والافتراض يريح غرورنا، لكنه يرهق قلبنا.
والعتاب المتأخر لا يُصلح ما أفسده الظن المبكر.
ليس مطلوبًا أن نفتح تحقيقًا مع من نحب،
ولكن المطلوب أن نقول ببساطة:
“هل كل شيء بخير؟”
“شعرت أنك مختلف، هل هناك ما يزعجك؟”
“أريد أن أفهم، ليس لأنتقدك بل لأكون بقربك.”
الوضوح لا يدمّر العلاقات… الصمت يفعل
الوضوح قد يكون محرجًا، لكنه ينقذ.
أما سوء الظن فإنه أخطر من الخطأ نفسه،
لأنه يحكم قبل أن يسمع،
ويُدين قبل أن يفهم،
ويحتفظ بالوجع في القلب حتى يخنق المشاعر الطيبة.
كثير من العلاقات انتهت بسبب قصص خلقها العقل من العدم.
الطرف الأول يتألم بصمت،
والطرف الثاني لا يفهم لماذا تغير الأول،
وبينهما مسافة تبنيها الكلمات التي لم تُقل.
كيف نتجنب هذا الفخ؟
-
اسأل قبل أن تظن.
-
صارح قبل أن تغضب.
-
استفسر قبل أن تحكم.
-
فكر من زاوية الطرف الآخر قبل أن تحلل من زاويتك وحدك.
قد تكتشف أن ما أزعجك لم يكن مقصودًا،
وأن ما خفناك منه لم يكن حقيقيًا،
وأن قلبك تعب من قصة لم تحدث أصلًا.
الخلاصة
العلاقات لا تحتاج دائمًا إلى كلام كبير،
أحيانًا تحتاج إلى جملة بسيطة:
“أريد أن أفهمك.”
لا تسقط في فخ سوء الظن —
فهو يدمّر العلاقات بصمت،
وينتهي بها إلى مسافات لا تعوّض،
بين أشخاص كان بإمكان كلمة واحدة أن تبقيهم أقرب. ✨