أصبح الإرهاق مرض العصر الذي لا يعترف به الكثيرون رغم أنهم يشعرون به يوميًا. تعب بدون مجهود كبير، ضيق دون سبب واضح، نوم كثير لكنه لا يمنح راحة، طاقة تنفد في منتصف اليوم، ومزاج متقلّب لا نعرف مصدره.
نعتقد أن الإرهاق سببه العمل فقط، بينما الحقيقة أن جذوره أعمق مما نتخيل.

ما لا يتحدث عنه أحد هو أن الحل الحقيقي للإرهاق ليس راحة أطول، ولا نومًا أكثر، ولا إجازة قصيرة ثم العودة للوتيرة نفسها.
الحل هو أن تعيش يومك بوعي لا بعشوائية.

نحن نستهلك طاقتنا ليس من المهام الثقيلة فقط، بل من الأفكار، المقارنة، القلق، الانشغال بما لا يفيد، وإجبار النفس على أن تظهر بخير دائمًا.

الإرهاق الذي يصنعه العقل أخطر من الإرهاق الذي يصنعه الجسد

فكر قليلًا:

  • كم مرة شعرت بالتعب لأنك تنتظر خبرًا؟

  • أو لأنك تفكر في أمر لم يحدث بعد؟

  • أو لأنك تقاوم الشعور ولا تسمح لنفسك أن تعترف بأنك لست بخير؟

العقل المتعب يجعل الجسد منهكًا.
وحين لا نستمع لهذا التعب، يبدأ التعب في الصراخ داخلنا بطرق مختلفة:
أرق، توتر، صداع، فقدان رغبة، حساسية مزاجية، أو حتى برود تجاه الحياة.

الحل الذي لا يتحدث عنه أحد هو: أن تمنح عقلك استراحة صامتة.

نعم — صامتة.
دون شاشة.
دون موسيقى.
دون تشتت.
خمس إلى عشر دقائق فقط يوميًا… تجلس فيها دون فعل أي شيء.

كثيرون يخافون الصمت لأن الصمت يجعل أفكارهم عالية، لكن هذا بالضبط ما تحتاجه:
أن تسمع نفسك قبل أن ينفجر داخلك ما لم تستطع التعبير عنه.

لماذا هذه الدقائق الصامتة تغيّر كل شيء؟

لأن العقل لا يتعافى بالانشغال، بل بالهدوء.
كما يحتاج الهاتف إعادة تشغيل، يحتاج الدماغ لحظات “إعادة ضبط”.
الصمت يسمح للعقل:

  • أن يرتب الأحداث

  • أن يفرز المهم من غير المهم

  • أن يهدئ ردود الفعل

  • أن يرى المشكلة بحجمها الحقيقي

  • وأن يتذكر ما نسيه بسبب الضوضاء

ستندهش كيف تتحسن قراراتك بعد استراحة صغيرة،
وكيف تتلاشى المشاكل التي بدت ضخمة
مثلما تتلاشى صورة مشوشة عندما تُبعدها خطوة للخلف.

لكن هل يكفي الصمت؟

الصمت بداية.
لكن هناك خطوات بسيطة تدعم التعافي من الإرهاق:

1) قل “لا” لما يزيدك تعبًا

ليس كل طلب واجب التنفيذ،
وليس كل مسؤولية مسؤوليتك،
ضع حدودًا.

2) توقف عن محاولة إرضاء الجميع

إرضاء الناس مهمة مستحيلة،
وأسوأ ما فيها أنك تخسر نفسك في الطريق.

3) افصل الطاقة العقلية عن العاطفية

المشكلة ليست ما يحدث، بل طريقة تفسيرك له.

4) أعد شحن نفسك بما تحب

ليس كل راحة نومًا، وليست كل سعادة إنجازًا.
أحيانًا كوب قهوة مع صديق… علاج.

الخلاصة

الإرهاق ليس علامة على الضعف،
بل علامة على أنك حاولت كثيرًا، تحملت كثيرًا، وأعطيت أكثر مما تملك.

والحل الذي لا يتحدث عنه أحد هو أن تسمح لنفسك بأن تتوقف — ليس انسحابًا من الحياة، بل استعدادًا للعودة إليها أقوى.

امنح نفسك دقائق صمت يوميًا،
قد يكون الهدوء البسيط هو الضماد الذي لم يخبرك به طبيب،
والراحة التي لم تجدها في نوم طويل،
والمفتاح الذي يعيدك إلى نفسك. ✨